المادة    
فمن الكرامات التي تؤثر عن ثابت البناني رحمه الله أنه سأل الله تبارك وتعالى، فقال: [[اللهم إن كنت أعطيت أحداً أن يصلي في قبره، فأسألك يا رب أن تعطيني الصلاة في قبري]] سبحان الله! الواحد منا يريد الرجوع إلى أهله كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((رَبِّ ارْجِعُونِ))[المؤمنون:99].
وأما إذا كان من أهل الجنة -جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة- فإنه يقول: ربِّ أقم الساعة حتى أرى أهلي في الجنة؛ لأنه يفتح له فيرى مقعده من النار، ويقال: هذا مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة ويرى أهله في الجنة فيقول: يارب! أقم الساعة حتى يرجع إلى أهله ويراهم، لكن هذا يتمنى أن يصلي حتى في القبر سبحان الله! يخاف لو مات أن تنقطع لذة الصلاة، وأن تنقطع ثمرة العبادة حتى وهو في نعيم الجنة، كأنه يقول: أنا أريد -ما بين الفترتين- في البرزخ أن أصلي، فلما توفي رضي الله تعالى عنه -وهذه من الكرامات الثابتة، وهي كثيرة والحمد لله، ولا نحتاج إلى الخرافات- ذهب أصحابه ليدفنوه، قال أحدهم: فسقطت عمامتي في القبر -أراد الله أن تتحق الكرامة، فسقطت- فرفع قليلاً وأدخل يده ودنا لأخذها، وإذا بالقبر مد البصر من النور، وإذا به ثابت البناني قائم يصلي! سبحان الله! نعم، أولئك عرفوا لذة العبادة وقيمتها.
توفي أحدهم رضي الله تعالى عنه وإذا بابنة -جارية- لجاره تقول: يا أبتاه، أين الخشبة التي كان ينصبها جيراننا فوق سطحهم؟
فقال: يا بنية، أي خشبة؟!
قالت: خشبة كنت أراها كل ليلة فوق السطح، وإذ بها ليست خشبة بل كان صاحب البيت يقف فيقرأ المائتين والمئات من الآيات كل ليلة، والطفلة تراه فتظن أنه خشبة! فأين الخشبة وأين ذهبت الخشبة؟ الله أكبر!
وأحدهم يبكي ويصلي من الليل، فتقول أمه: يا بني! لعلك قتلت نفساً فإن الله غفور رحيم، وإذا قتلت نفساً لعل الله يغفر لك - كانت تظن أنه لا يبكي ويتعبد إلا إذا ارتكب قتل نفس- فيقول: نعم يا أماه! قتلت نفسي بالذنوب والمعاصي، فهذه هي النفس المقتولة.
لقد كان الليل هو خلوتهم وراحتهم وسعادتهم، ومهما تحملوا من هموم النهار؛ ففي الليل تأتي المناجاة واللذة والطمأنينة، ويقوم الواحد في اليوم الثاني نشيطاً في أعز راحة ونعمة؛ لأنه غسل كل الهموم والأدران والتعب، بتلك الصلاة والاستغفار والذكر لله تبارك وتعالى في جنح الليل.
وأما الإنسان الذي يكدح للدنيا فهو كما جاء في الحديث: {حمار بالنهار، جيفة بالليل} أي: أنه ينام وعنده عشرة هموم ويقوم في الصباح فيجدها صارت عشرين, وينشغل بكذا وكذا؛ ثم تأتيه الأمراض من هنا ومن هنا؛ فلا يستطيع مقاومتها؛ لأنه مسكين لا يتحمل، فالمخ لا يتحمل، والمعدة لا تتحمل والأعصاب لا تتحمل، وهذه المشاكل كلها من: الدكان، والتجارة، والأولاد، والزوجة، والوظيفة، والراتب، والتقاعد، والترقية، والترفيع ومشاكل كل يوم، لا يغفل عنها أبداً.
وأما المؤمن: فلو بلغه أن الدنيا كلها قد اجتمعت عليه فهي لا شيء بالنسبة له، قال تعالى: ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ))[آل عمران:173]
فحسبنا الله ونعم الوكيل هي الكلمة التي قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وهي كلمة واحدة من ذكر الله، يدعو بها الإنسان في جوف الليل، فتذهب كل تلك الهموم والأحزان؛ بل ربما انقضت كأعظم صاروخ في الدنيا على أعداء الله عز وجل فدمرتهم أجمعين.
ولهذا أقول: يا شباب الصحوة يا شباب الدعوة، نريد أن يكون لهذه الصحوة المباركة الطيبة أولياء عباداً أتقياء تتزلزل الجبال إذا رفعوا أيديهم بالدعاء إلى الله عز وجل، والحمد لله فالالتزام والتمسك والخير كثير في المظهر والملبس والمحافظة على صلاة الجماعة، لكننا نريده أعمق وأعمق وأعمق.. نريد قلوباً مخبتة منيبة.. نريد الرجل الذي إذا رفع يديه لا يردها الله تبارك وتعالى إلا وقد حقق له ما يريد، وإن الله تعالى حيي كريم كما جاء في الحديث: {إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفراً}.
فلا أحد يرفع يديه إلى الله ويردها صفراً؛ لكننا نريد شيئاً أخص من ذلك، نريد الذي يدعو على جبار فيقصمه الله عز وجل، نريد من يدعو على دولة من دول الكفر؛ فيدمرها رب العالمين، نريد من يدعو على ظالم من الظلمة؛ فينتقم الله منه ويجعله عبرة وآية للعالمين، وهكذا.
  1. ضرورة التضرع لله

    ونريد مثل محمد بن واسع وهو من موالي زهران، أي أنه من هذه القبيلة الخيرة الطيبة، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {مولى القوم منهم}.
    إن قتيبة بن مسلم الباهلي رحمه الله، كان يعد الجيوش لحرب أكبر جبهة كانت في تاريخ العالم الإسلامي وفي تاريخ الفتوحات، وهي الجبهة الشرقية حيث الهند والصين والترك، وهي أعتى الشعوب في القتال؛ فكان يريد أن يقاتل وأن يجاهد هؤلاء، فأعد العدة المادية كاملة وبقيت العدة الأخرى، لأنه لا ينسى أحدٌ من قادة المسلمين وصية عمر بن الخطاب لـسعد بن أبي وقاص: [[واعلم أن المسلمين إنما ينصرهم الله تبارك وتعالى بطاعتهم لله وبمعصية عدوهم له، فإذا استوينا نحن وهم في المعصية؛ كان لهم الفضل علينا في القوة]] أي: فنحن عدتنا الطاعة، وكفى بها عدة، ففي تلك الليلة أعد كل شيء وبيت للهجوم ثم قال: اذهبوا فالتمسوا هل في المسجد أحد -هكذا نريد مثل هؤلاء تقي خفي لا يدري عنه أحد، ولكنه يأتي بدعوة هي خير من هذه الجيوش كلها، أو رديفة ومساندة لهذه الجيوش كلها- قالوا: ما وجدنا فيه إلا محمد بن واسع رافعاً إصبعه -أي: يدعو بإصبع واحدة- قال: إصبعه تلك أحب إلي من ثلاثين ألف فارس.
    وذلك لأنه إذا قال: يارب، استُجيب له بإذن الله تبارك وتعالى؛ لأنهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً، ويفزعون إليه تبارك وتعالى، فهم جنده، والدين دينه والدعوة دعوته، والجند جنده والعباد عبيده، والأعداء أعداؤه.
    إذاً: لا بد أن يفزعوا إليه ولا بد أن ينادوه وأن يتضرعوا إليه.
    وهنا ننبه إلى أدب عظيم من آداب الدعاء، وكلكم تعرفون الضرع، فكيف التضرع؟
    أرأيتم العجل الصغير من البقر أو من الإبل أو من أي شيء، كيف يرضع! وكيف يفعل إذا لم يرضع! أرأيتم تلك الحالة؟
    وكيف يرتفع وينزل ويحاول ويحاول ويمتص ويحرص وهكذا، فالضراعة مأخوذة من ذلك؛ فالواحد لا يرفع يده اللهم اغفر لي، ويمر منها كبعض الناس، بدون تضرع، بل اجعله دعاء ضراعة وتضرع والتمس الخير من عند الله لعله أن ينزل عليك، وبنفس الحرص والرغبة والشدة القلبية التي يفعلها هذا الصغير من الحيوان وهو يأخذ من الضرع، واطلب ذلك سواءً أكان مطراً أم غيثاً، أم رحمة أم نصراً أم رزقاً أم توفيقاً أم أي شيء.
    تضرع إلى الله فبالضراعة يدفع الله تبارك وتعالى العذاب؛ ولهذا يقول سبحانه: ((وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ))[المؤمنون:76] أي: لو أن الناس استكانوا لربهم -والاستكانة هي الطمأنينة والخضوع الكامل الذي يناسب الهون، الذين يمشون على الأرض هوناً أي: مستكينين- وتضرعوا إلى الله عز وجل؛ لكشف الله تعالى عنهم العذاب كائناً ما كان.
    وليس الحال كحالنا اليوم: إذا نزل العذاب جرينا وراء الأسباب، وانتقلنا من سبب إلى سبب إلى سبب، حتى نضيع في أودية لا نهاية لها، والطريق سهل والاتصال بالله تبارك وتعالى ميسور؛ ونتضرع إليه فيكون كل ما نريد بإذن الله تبارك وتعالى من خيره وفضله.
    ((وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً))[الفرقان:64] أي: وهاتان الحالتان في الصلاة؛ أما السجود فأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد؛ وأما القيام فأفضل الصلاة طول القنوت والقيام، وهو الذي يجعل الإنسان مثلما رأت تلك البنت أو الجارية ذلك الرجل كأنه خشبة.
    فبالسجود وبالقيام وبالدعاء وبتدبر الآيات والتفكر فيها في القيام ترى العجب، وبالبكاء في السجود ترى العجب الآخر، سبحان الله العظيم!
    ولهذا جاء عن بعض السلف في تدبر الآيات وفي قراءة آية واحدة من كتاب الله مواقف عجيبة جداً وكيف تفعل الآية في القلوب؛ فكيف بك إذا قرأ المئات من الآيات، حتى كان بعضهم يريد أن يصلي بعض الليل أو ثلثه، ولا يشعر إلا وقد طلع عليه الفجر، فإلى الفجر وهو ما يزال واقف لا يشعر بالوقت؛ لأنه يستغرق بعمق في هذه الآيات وفي معانيها.
    وكما قرأ بعضهم قول الله تعالى: ((وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ))[سبأ:54] فكيف حيل بينهم وبين ما يشتهون.
    فيشتهي الإنسان في هذه الدنيا، المال والراحة والزوجة والبيت وهو في هذا التعب كله ويعمل فيه، فتأتي لحظة ثم يحال بينهم وبين ما يشتهون، ولو فكر الواحد كيف يحال بينهم في لحظة واحدة يسلب هذا كله الملك، والمال، والمنصب، والسلطان، والزوجة، والبيت وكل شيء فإذا حيل بينك وبين ما تشتهي وبدأت تفكر: ماذا قدمت وماذا أمامك؟
    فهذه هي العبرة، لو فكر الإنسان وتأمل، كيف أنه يحال بينه وبين ما يشتهي وبين ما تعب.
    فسنوات من عمرك وأنت تزين هذه العمارة، ومالك كله قضيته وأنت تتفنن في هذه الحديقة، وفي اختيار هذا المنزل، ثم يقال لك: ارجع إلى ما أترفت فيه، لماذا تركض؟
    ولماذا تذهب؟
    فحيل بينهم وبين ما يشتهون، أي: بنـزول الموت وبنزول العذاب ينتهي كل شيء؛ ثم يحاسب عليها ويتمنى أنه سلم منها -على الأقل- حتى يخفف عليه الحساب؛ لكنه يحاسب عليها، ويتمتع بها غيره؛ وهذا من ضيق الدنيا وخستها وحقارتها إذا قورنت بالآخرة.
  2. حقيقة الدنيا عند السلف

    وهذا الإمام عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله، تأمل في قوله تعالى: ((إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)) [الدخان:40-42].
    إن هذه الآية كأنها استجمعت واستغرقت ذهنه الليلة كلها، فيفكر فقط! كيف إن يوم الفصل ميقات الناس أجمعين، الأولين والآخرين -من آدم عليه السلام، إلى آخر مخلوق يخلقه الله عز وجل- فيأتون جميعاً حفاةً عراةً غرلاً بهماً كيوم ولدتهم أمهاتهم، وتدنو منهم الشمس مقدار ميل، فذلك موعدهم وميقاتهم أجمعين، ثم يكون الحساب والفصل، سبحان الله!
    الواحد منا إذا رأى أباه أو جده وقد صار كبيراً طاعناً في السن، وتأمل هذا الكبير المنحني الظهر مرت به أيام مثل الحلم، كان طفلاً صغيراً وكان يرى جده وهو كبير طاعن في السن مثله، وذلك الجد كذلك...، سبحان الله! وكأنك ترى مجموعة هائلة لا نهاية لها كلهم شِيبة إلى مالا نهاية؛ لكن أنت شباب والحمد لله ولكنها لحظات كالحلم، فتمر أيام معدودة، وإذا بك نفس الشيء، وإلى نفس الحالة.
    ولهذا يوم الفصل يجتمع هؤلاء جميعاً، الذي كان يقول: هؤلاء أحفادي، والذي كان يقول: هؤلاء أجدادي، وكم من قرون خلقها الله، عاد وثمود والذين من بعدهم -لا يعلمهم إلا الله- قال تعالى: ((وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً))[الفرقان:38] فكلهم يجمعهم الله عز وجل كما ذكر سبحانه: ((إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ))[الدخان:40].
    وهناك: ((يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً))[الدخان:41] ولا ينفع الإنسان هناك
    إلا العمل الصالح، قال تعالى: ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ))[المؤمنون:101] أي: لا ينفع مال ولا سلطان، ولا منصب ولا جاه، فكل شيء يذهب ولا يبقى، إلا ما قدمت وما عملت، فتجده أمامك، قال سبحانه: ((وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً))[الكهف:49].
  3. حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع العبادة

    وأما زرارة بن أوفى رضي الله تعالى عنه فكان يقرأ قوله تعالى: ((فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)) [المدثر:8-10] فسقط رضي الله تعالى عنه في المحراب فوجدوه قد مات رحمه الله من هذه الآية، وكذلك ما حصل لـعمر رضي الله عنه حين سقط وهو يقرأ من سورة الطور.
    فالكل لهم في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم الأسوة وعظيم القدوة، فقد كان صدره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأز كأزيز المرجل، أي: كالقدر الذي يغلي؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أقوى الناس قلباً، وانظروا كيف جمع الله له هاتين الخصلتين! أقوى الناس قلباً وأثبتهم جناناً، وفي نفس الوقت أكثرهم اعتباراً وتأثراً فهو متوازن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالاعتبار عظيم جداً؛ لكنه لا يغلب قوة قلبه صلوات الله وسلامه عليه؛ فهو ثابت واقف، فيأز صدره كأزيز المرجل -الذي يغلي- من الخشية والخشوع والتدبر والتفكر؛ وكذلك كان خيار أصحابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله.
    فإذا ضعف القلب -وأحياناً يضعف- يسقط مثل ما فعل زرارة وغيره، فيسقط ولا يستطيع أن يتحمل هذه العبرة، أو هذه الآيات.
    وأما إذا ضعف اليقين أو ضعفت العبرة فماذا يحصل؟
    لا يأز الصدر ولا يتحرك الجنان، فذلك مثل حالنا نحن الآن، نقرأ الآيات ونسمع السور ونسمع العبر، فلا نتأثر، لأن الوارد ضعيف، ولم يرد على القلب شيء قوي، بل ورد عليه شيء ضعيف، وهو قاس -نسأل الله العافية- أو مريض أو فيه تحجر فلا يتأثر؛ فلذلك كان كمال العبادة في هديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو له كمال القوة والثبات مع كمال الاتعاظ والاعتبار صلوات الله وسلامه عليه.
    والآيات عظيمة وعبرها كثيرة ونريد من أبي عبد الرحمن -يحيى اليحيى- حفظه الله -وقد زارنا هذه الليلة- أن يشارك ولا نسامحه ولا نعفيه، وإن كان بعض من حضر لا يعرفه حفظه الله، وأنا أكره حقيقة الحديث على الإنسان بحضوره سواء فيّ أو في غيري، لكن نعرفكم بهذا الشيخ، ونسأل من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحفظه وأن يبارك في عمره، فقد تخرج على يديه من حفاظ الكتاب والسنة الجمع الكبير -ولله الحمد- وهو معروف حفظه الله في القصيم وما حولها، وإنها حقيقة لسعادة وشرف لنا نحن أبناء هذه المنطقة أن نراه وأن نسعد به، ولا بد أن نستمع إليه ولعلنا إن شاء الله نكمل هذه العبر والدلائل في لقاء آخر بإذن الله، وأمامنا كم هائل من الأسئلة فلا نطيل، ولكن نسأله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من عباد الرحمن.
    اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، اللهم اجعلنا من أوليائك الصالحين، اللهم اجعلنا من المخبتين، اللهم اجعلنا من المنيبين، اللهم اجعلنا من الصادقين، اللهم اجعلنا من المخلصين، إنك سميع مجيب.
    وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.